<< ذِرَاعٌ واحِـدَةُ ...طَويَلة !! >>
ولما أرهقك السير، جنحت إلى الركوب، وضقت بوسائل المواصلات التي لا تفضي إلى ما تريد، ولكنك وجدت واحدةً أخيرًا، وما إن اطمئننت إلى مكانك وسكنت فيه، إذ بدد استقرارك و أزعج مقامك دخولها المفاجئ المستفز ..
وكأن الأماكن الخالية لم تكن كثيرة، أشرت بـ"تفضلي" فلم تتردد، وأقلقك ذلك أكثر، جَلَسَت بالجوار وتَعَاملَت بتلقائية أربكتك!!
ووليت البحر وجهك، وعزمت على السباحة عكس التيار !!
ما بالك كلما تذكرتها شعرت الآن بالاختناق!!
تلك التي ما إن وجدت حتى غدت كل الموجود؟!!، أخرجت هاتفها المحمول، فاختلست النظر، حاولت أن تتشاغل عنها بمتابعة الغادين والرائحين، ومحلات الكشري وعصير القصب، والباعة الجائلين، عن لك أن تفكر في حالهم، وتراءى أنك فعلت ...
أنكرت عينك التي لمحت (توم جيري) على المحمول المجاور ! ، حينها تلمكتك دهشة لم تقو على كتمانها ؟!! ، لا حل إلا في ذلك الوجه، مرة، ومرة أخرى، طفولي بكل تأكيد !! ... ولكنها حملتك لعالم من القلق والتحفز .... ثم الضيق ..
الفتاة التي شعرت لفرط سذاجتك أنها تتآمر عليك، لما حولت ما تشاهده إلى تلك المشاهد المقززة، ما بال عينيك اتجهت الآن نحو السيارات؟!!، ما بلك شعرت بالقلق أكثر، بدأت تتململ في جلستك ... تحاول ألا تشعرها باضطراب، هل ستغادر، هل تغمض عينيك، سيظل عقلك يفكر!!، تبا !!
الفتاة التي جعلتك تفكر في الخير والشر، والموت والحياة، والماضي والمستقبل، والتي جعلت طريقك يبدو كأنه سفر، أنت فيه على وشك أن تفقد الزاد ؟!! ... والراحلة ..راحلة!!
عزمت على المواجهة، كيف يا ترى عينها ؟ ...
الآن تضع المحمول في حقيبتها الجلدية فضية اللون ، وتلمح طرف يدها الطويلة ؟!!
... تلك اليد التي لا تتناسب أبدًا مع جسمها الضئيل، وبدا لك أنها لا تمتلك غيرها ... تمد بها النقود إلى السائق، ثم تبتسم وهي تعود بالـ"تذكرة" إلى من خلفها ! ، كأنها تقوم بعمل روتيني ؟!! ...
الآن تصبح اليد" الطويلة" شغلك الشاغل، إنها دليل الاختلاف، ومبرر قلقك كله، ستدرك أخيرًا أنها غير عادية، وأن لعقلك إشارات لا يدركها الجميع، تدرك الخطر قبل وقوعه، وتحذر من الاقتراب، وتتوجس ..كثيرًا ..
المرآة ...
يطل عليك منها سائق ذا أسنان بنية .. لماذا يبتسم؟ هل في الأمر سـر؟!!
أكيدُ أنت من أن السيارة التي تقلك هي المقصودة، وإن كانت حركة السيارات من حولك تشي بهروبٍ مـا ..
الآن تزيد السرعة، ويفتح الطريق بشكل يبدو لا نهائيًا ..
الآن تطوقك الفتاة بذراع طويلة .. واحـدة ...
الآن لا تستسلم، يفكر عقلك .. كثيرًا ..
أتكون تلك الفتاة رمزًا لمصر؟؟ أم رمزًا للهزيمة؟ السـائق أهو الزعيم ؟ والسيارة هي الوطن، ما تأويل الفتاة إذًا ؟!! ..
ولكنك لا تحلم؟!!
لم تنم أصلاً، منذ البارحة تفكر في أمور حياتك ، لم تستند على زجاج السيارة القِلق!! ..
تتحسس وجهك وأنفك، وتقرصك الفتاة على خدك ...
كل ما حولك حقيقي إذًا؟!!
ولكن الطريق، الناس في العربة ؟؟ السيارات المجاورة ؟!!
لأول مرة يبدون غير حقيقيين ...
والناس في الآخرة، لا تقودهم السيارات، ولا تغويهم فتيات، ولا يعبثون بأجهزة محول، في الآخرة لا سيارات أصلاً ، لا تحتاج لسيارات هناك، وأنت حي، ولا تحلم .. أأكيدُ أنك غير نائم ، هيا تقلب الآن، ستدرك أنك لم تحكم الغطاء عليك، أو أنك أكثرت في عشاء هذه الليلة، ولكنك لم تتعش أصلاً ؟!! لم تذق الطعام منذ البارحة، ولا يمكنك التقلب لأنك جـالس !! والفتاة بجوارك بعباءتها السوداء، ووجهها الطفولي، وقد أدخلت هاتفها المحمول، وتراقب الداخلين من حولها، وتحاول ألا تقترب منك ..
الآن تهز رأسك مرة أخرى بعنف، تشعر الفتاة باضطرابك، يبدو عليها التذمر، ..
كأنك من كوكب آخر، تطلع على هذه العوالم الغريبة ..
تنظر للسائق مرة أخرى، يدندن بأغنية تعرفها ، إنه معنا ، من هذه الأرض، من هذه البلدة، وأنت تعرفه، ليس في الأمر غرابة، لقد هدأت الحركة فقط، تبادر بسؤال : أين نحن الآن، لتكتشف أنك لا تزال في مكانك ذاته، والرجل يعبأ السيارة بالوقود ..
لهذا ابتعدت السيارات، وشعرت بقوة الاندفاع، ولا تزال الفتاة بجوارك، والأسنان البنية للسائق واضحة ...
***
لما بدأت حركة السيارة من جديد هجم النوم عليك، لم تصحو إلا على يدٍ ناعمة تخبرك بنبأ وصولك، التفتت:
الوجه الطفولي نفسه، تحمل جهازها المحمول، حقيبة فضية تشبه لون حذائها الفضائي!!
ـ هوا أنا نمت طول الطريق؟
تبتسم : تقريبـًا ..
ـ هوا إنتي بتحبي (توم جيري)؟
بخجل: آه .
تنصرف ....
تواجهك سيارات الجيزة، والزحام، والعربات والناس، ونداءات السائقين : هرم، فيصل...
تتداخل الأصوات في ذهنك ... فجـأة
تشعر بالتفاف الناس حولك، ويتناهى إليك صوتهم كأنه من بئر سحيق :
ـ كانت هتخبطه، قدر ولطف .
28/ 1
3 /2 /2008
(( القصــــــة فــائزة بمسـابقة مركز "رامتان" متحف طـه حسـين للقصة القصيـرة الدورة الماضية))
بجد قصه رائعه وبتشدك من السطر الاول للسطر الأخير .. الأروع انها بتدخلك فى دوامة بين النوم والصحو ومش بتبقى عارف بطل القصه بيحلم ولا هو صاحى ولا ايه الى بيحصل حواليه بالظبط
ردحذفبجد اهنيك على القصه الرائعه ومبروك عليك الفوز المستحق
تحياتى
وتحياتى انا كمان
ردحذفاعلى جزء ف القصه اخره
من اجل مصر
ردحذفشارك في الحملة الشعبية للقيد بالجداول الانتخابية وادعو غيرك
ضع بنر الحملة علي مدونتك
البنر موجود علي مدونتي
اذا كنت ترغب في وضعه علي مدونتك ارسل ميلك كي ارسل لك كود البنر
ارجو المعذرة للدخول بلا مقدمات لأني ادخل علي مئات المدونات يوميا
محمد باشا حمدي:
ردحذفيااااااادي النور يا باشا .. إيه الدماغ العالية دي ... مكنتش أعرف إنك واقف ع الباب .....
كويس إن القصـة عجبتك :) ... الحمد لله
وشكرًا جزيلاً لك
***************
سمووورة:
منوَّرة دااائـمـًا ... أتمنى إن الكتـاب يكون وصلك ... وهذه تحياتي أنا راخــر
أنا ماقريتش القصة بس كنت جاية أقولك إنى حلمت بيك أمبارح
ردحذفوروحت النهاردة بوكس أند بينز لاقيت كتابك وإشتريته
جميلة
ردحذفعجبتنى فعلا
مبروك عليك
ردحذفكالعاده
الاغنيه بحبها
لكن بحبك مش حقول تاني....فين؟؟؟
بحبها اكتر وكنت عايزه احطها
تحياتي
w7shtna ya 3mnaaa...we hwa kman w7shana...kesa 7lwa awy....we ely katbha a7laaa....atmna tkon bkheer
ردحذفمبرووووووك يا ابراهيم
ردحذفيا مفرحنى :)
قصه جميلة وانت تستاهل كل الخير
اشوفك على خير بقى ..بس من غير مشى كتيررررررر :)
المهندس الحسيني:
ردحذفولا يهمك يا باشا، بس ابقى افتكر ما تنزلش الدعوة ف الإعلان مرتين ...
خالص تحياتي ... وكل الشكر لمجهودك ..
*****************
مي في انتظـار رأيك عن الكتاب مفصَّلاً ومجموعًا أيتها الجميـلة، وما تقلقيش .. شوفتي ف الحلم نَصــرَة .. بعون الله .
نورتي جدًا
*************
سموووورة :
المرة الجاية ابقي علَّقي باسمك، بطلوا بقى الكسـل ده،
نورتيني يوم بحاله
وتحياتي أيضًا