ربما لأنه واحدٌ من القلة المغمورة في أدبـاء هذا الوطن العزيز الحبيب، ربما لأنه/أنهم .. أقدر الناس على أن يحكوا يومه، ويكتبون مأساته، وكأنها حوادث مكررةً إلى الأبـد ... ومنذ الأزل ... ، كتب إبراهيم نصر الله الروائي والشاعر الفلسطيني (مُرشح لبوكر عن زمن الخيول البيضاء) أسـفـاره في (الملهاة الفلسطينية)... التي أنتقي منها من رواية (أعراس آمنـة) ...هذا المقطع
أعراس آمنة
كانت واحدة من الليالي الثقيلة
لا أستطيع وصفها بأقل من ذلك
خطر لي أن أقوم بكتابة تحقيق صحفي عنوانه (من يستطيع النوم ؟ ) ولكنني لم أفعل، فقد كان يكفي أن أقوم بكتابة هواجسي الليلية، يوماً بعد يوم، لأدركَ ما الذي يحدث في (غزّة) .
كانت واحدة من الليالي الثقيلة
لستُ أدري في أيِّ وقت استطعتُ إغلاق عينيّ، رغم أنني بتُّ أشكُّ تماماً، فيما إذا كنتُ أغلقهما أصلاً حينما أنام.
من يستطيعُ النوم ؟
كانت الدَّقاتُ على الباب كافية لأن توقظني
كلُّ شيء يختلطُ في هذا الرأس الصغير، الذي طالما وصفته أمي تحبباً: انظروا،
صاحبة الرأس الصغير، وأختها، في الواحدة منهما عقل أكثر مما في رؤوسكم مجتمعين. لو أن الله لم يرزقني سوى البنات، لكنتُ أسعدَ أهلِ غزة.
كان ذلك يسرُّني، ويُزعجني.
من السيئ أن تملك رأساً صغيراً في وطن ليسَ فيه سوى الهراوات الكبيرة وفوهات البنادق المتطلعة إليك.
لكنني حسمتُ الأمر في النهاية لصالح رأسي. نعم حسمته لصالح هذا الصِّغر، واتخذتُ ما يكفي من الاحتياطات الملائمة لحجمه، عكس توأمي وشبيهتي.
ابتعدتُ عن مدى الهراوات ما أمكن، لأنني كنتُ علي يقين أن ضربة واحدة تكفي لتهشيمه، وقلتُ: لن يكون بإمكان القنّاصين إصابته وهو بهذا الحجم، مع أن الأيام ستثبتُ أنني كنت مخطئة في هذا.
كانت تلك الأحاسيس تنتابني في الانتفاضة الأولى، أما الآن، فلا أعرف تماماً، إن كنتُ ما زلت أفكِّرُ بالطريقة نفسها أم أنني أتذكّر تلك الطريقة التي كنتُ أفكر بها.
زمنٌ طويل من القصف: قنابل وصواريخ، دبابات وطائرات مروحية، وحتى مقاتلة، كان يكفي لزعزعة عيارات السَّمعِ لدي، مع أن كثيرين صاروا يتباهونَ -كما في كل حرب- بدقَّتهم في تحديد أنواع الأسلحة، لكنني لم أكن منهم، وظلَّ هذا الأمر هو الأكثر قدرةً على إثارة دهشتي، فمن يستطيع أن يُفرِّق بين طَرَقات على الباب بهذه القوة، وبين أصوات القنابل في إغفاءة عَثَرَ عليها بأعجوبة في نهايات الليل.
: رجعوا يقصفوا، أم أن هناك من يطرق الباب؟ سألتْ أمي، وقد أثبتتْ أن خبرتَها لا تقلُّ عن خبرتي! !
نهضتُ؛ أعرفُ أن أحداً لن يفعل ذلك سواي، وليس هناك الآن سوى جدتي في الغرفة التي (ترتاح فيها) لان صوت الرصاص لا يبلغها تماماً، كما تردد دائماً.
: صباح الخير.
: صباح النُّور.
: أمّكِ موجودة ؟
: موجودة.
: وأبوكِ ؟
: أبي، أنتِ تعرفين، في السجن.
: نسيتُ، يلعن الشيطان ؟
: الاحتلال ؟ !
: أظنُّ، في غيره ؟ !
: تفضلي ؟
: لا. قبلَ أن أتفضَّل، أريد أن أطلبَ منك طلباً واحداً، فأنتِ مثل ابنتي. وصمتتْ. كنتُ أحلم دائماً أن تكون لي بنتٌ مثلكِ، أو مثل أختكِ، ولكن إن ساعدتني، سيكون لي بنت! !
: ماذا تقصدين ؟
: ستكون أختكِ ابنتي.
: ومن قال إنها ليست ابنتكِ.
: ابني كِبر، كبرَ بما فيه الكفاية، وأختكِ صبية ما شاء الله، تملي العين، مثلكِ! وكما ترين، الدنيا بين الحياة والموت. وقد فكرتُ بأن هذا الوقت هو الأنسب لأزوِّجه، وأريدك أن تُقنعي أمَّكِ. صحيح أن وجود أبيكِ في السجن يجعل الأمرَ غير مناسب في نظرِ بعض الناس، لكن ذلك لا بدَّ منه، فلو انتظرنا حتى تتحسن أحوالنا ويرحل الاحتلال، وتتحرر فلسطين، ويعود جزؤها الذي احتلوه قبل هذا الجزء، لكان الأمر مصيبة، ولا أحد تزوج، ولا أحد خَلَّف.
كان طلبها كافياً لعقد لساني تماماً، فوجدتُ نفسي أشبه بخشبة تستند بوهنٍ إلى حلْق الباب؛ وبعد زمن، أظن أنها قالتْ فيه الكثير، وجدتُ نفسي أهزُّ رأسي دون أن أُدرك معنى ما أفعله، لكنها فهمت هزة رأسي كما تشتهي.
خطتْ الخطوتين اللتين تفصلاننا، وطبَعَتْ قبلةً على جبيني.
: لقد قلتُ، ليس لي غيرك، وصَدَقَ قلبي.
وفجأة استدارتْ تهمُّ بالذهاب.
امتدتْ يدي، أدركتْها قبل أن تبتعد، التفتتْ إليَّ وكانت يدي تقبض على طرف ثوبها الأسود الطويل.
: أدخلي ؛ نشربُ الشاي معاً على الأقل، ونفطر. قلتُ لها.
: لا، لا، الشاي، نشربُه بعدين ؟ ولست جائعة، الآن سأمرُّ على البيتِ آخذ بعض الأشياء التي أحتاجها، ثم أذهبُ لأطمئنه، تعرفين، الولد يحبّها منذ زمن طويل، وكنت أنتظرُ اليوم الذي يكبرُ فيه. أعرف أنها أكبر منه قليلاً، لكنه استطاع أن يكبر ليلحق بها، هل رأيتِ أحداً يحب إلى هذا الحد. اليوم عيد ميلاده، لماذا لا تأتين؟ رائحتك من رائحتها. سأقيم حفلاً صغيراً.
وأخذها صمتها بعيداً
واصلتُ النظرَ إليها. متعبة كانت كما لو أنها على مشارف الستين، لكنها كانت طويلة كما عرفتها دائماً، رغم أن الأعباء الملقاة على قلبها كافية لسحقِ قامة سنديانة.
: أنا أُبشِّرُ الولد، وأنتِ تبشِّرين البنتَ، ما رأيك ؟
وثانيةً وجدتُ رأسي يهتز، دون أن أدري ما الذي يعنيه ذلك، لكنها فهمتْ هزَّةَ رأسي كما تشتهي؛ اندفعتْ نحوي، قبَّلتني من جبيني ثانيةً، تراجعتْ قليلاً، تأملتْني، ثم قالت: ما لي في هالدنيا غيرك، الله يرضى عليك، جَبرتي خاطري، والله لو كان لي ولدْ ثاني لزوَّجْتك إياه.
: ولو خالتي آمنة، وهل أنا بحاجة إلى دليل لأعرف كم تحبينني ؟
امتلأتْ عيناها بالدموع. استدارتْ؛ ورحتُ أراقبها تبتعد، وغطاءُ رأسِها يرفُّ محاولاً تقليدَ جناحٍ بلا جدوى.
* * *
: مَنْ يطرقُ بابنا من صبيحة الله هذه؟
سألتني أمي دون أن تستطيع فتح عينيها..
: صوت القنابل. قلتُ لها، وأعدتُ: صوت القنابل.
: كنتُ متأكدة من هذا، ولكنني ظننتُ أنني أحلم. الله لا يخلي واحد فيهم، خلطوا ليلنا بنهارنا. ألا يتعبون، ألا ينامون، هل هم طُرْش لا يسمعونَ صوتَ القنابل التي يطلقونها ! !
حين أصبح رأسي تحت اللحاف، سألتني: كم الساعة الآن ؟
: السادسة .
: السادسة، قومي، ألم تشبعي نوماً ! !
قلتُ لهم إن الشمس قد أصبحتْ في وسط السماء
قلتُ لهم هذا الكلام مائة مرة، لكن أحداً منهم لم يتحرَّك، قلتُ لهم، ما هذا الكسل الذي نـزلَ فجأة عليكم، لم تكونوا هكذا من قبل، لا الزوجُ ولا الابنُ ولا الأخ، لقد نمتم كثيراً، أكثر مما يجب، وعليكم أن تصحو الآن، أن تروا الشمس، على الأقل، وأن تتحدثوا معي قليلاً قبل أن أذهب.
قلتُ لهم إن الشاي جاهز، والفطور جاهز، والمواضيع التي سنتحدثُ فيها جاهزة، لأنني أفكر بها منذ زمن طويل، لكنَّهم ظلّوا نائمين.
من أين نـزلَ هذا الكسل يا ربي عليهم فجأة، لو كان قلبي أقسى مما هو عليه قليلاً، قليلاً فقط، لانتزعتُ هذه الأغطية عنكم ونثرتها في الجو، وحولتها إلى عاصفة، لكن قلبي لا يطاوعني.
حَنون من يومه !
من كان يقول هذا الكلام غيركَ يا مصطفى، يا أخي الأحنّ مني، يا أخي الذي لم يُفارقْني، حين فارقني الآخرون، حين ذهبوا، بعضهم للأردن وبعضهم لسورية، وبعضهم وصل السويد.
هل تذكُر، حين راحوا يتطلعون للجهات، ويتسمَّعون صوتَها، قلتَ لهم: أعرفُ أن كلَّ جهة تنادي واحداً منكم، وسيسمعُ صوتَها وحده، من دون بقية أصواتِ الجهات الأخرى، ويتبع الصوتَ حتى يختفي فيه، هكذا قلتَ لهم، كأنك فيلسوف والله، وحين قالوا لك ساخرين، وأنت يا أستاذ مصطفى: ما هي الجهة التي تناديك ولا تسمع سوى صوتها. أشرتَ للأرض.
قالوا لك، الأرض ليست جهة، الأرض مكان، أما الجهات ففوقها.
قلتَ لهم : كلُّ الجهات تلتقي هنا، فيها، ومن يملكها يملك الجهات جميعها.
اللـه ، لقد أطربني كلامك يومها؛ لا، ليس لأنك ستبقى عندي هنا، في غزة، بعد زواجي، كما يريدون أن يتركوني شجرةً وحيدة، بلا سند في وقت لم يكن جاءني فيه الولد، لا. أطربني لأنه أطربني. وقد أطربها، رندة، حين أعدتُهُ على مسامعها، فقالت لي: مسموح لي أكتب هذا الكلام ؟
فقلت لها مسموح. وكتَبتْهُ في دفترها !
كم مصطفى لي ؟ آ، قل لي كم مصطفى لي ؟ مصطفى الذي أصرَّ على أن أتعلَّم، وأتخرَّج من الجامعة، ألا يستحق أن أفهم كلامَه إلى هذا الحد وأن يُطربني ؟
سامحني، يا مصطفى، ولكنني سأقول لك، إن الذي لم يجرُّه خوفه على أولاده، جرّه حلُمُهُ في أن يكون له حلم خارج شقائنا هذا على شطِّ غزَّة. لا، لا تفهمني غلط، فحتى لو كنتَ متزوجاً، ولكَ أولاد، لبقيتَ هنا، معي، حتى لو كان لك عشرون ولداً تخاف عليهم لبقيتَ معي، وقد قلتَها بنفسك، رغم أنكَ لم تقلها: وآمنة ، نتركها لمنْ هنا ؟ !
أعرف أنني لم أسمعْها، لكنكَ بالتأكيد قلتَها لهم، وكان يسرُّهم أن تبحثَ عن سببٍ آخر للبقاء معي، وأن تشير إلى جهتكَ الوحيدة، جهتك التي تتجمّع فيها الجهات كلّها، كي يُبرِّئوا ضمائرهم، وهم يتهامسون في آذان بعضهم: على الأقل هناك من سيبقى ويرعى أختَنا.
وقد بقيتَ، بقيتَ تماماً، قلتَ لهم: هناك أسطورةٌ فلسطينية تقول إن الله يخلق الإنسان من ترابين، تراب المكان الذي وُلِدَ فيه وتراب المكان الذي سيموت فيه. لقد عرفتَ من زمان، أننا خُلِقْنا من هذا التراب وحده، لأننا عليه وُلِدنا وعليه نموت، وقد يكون ترابُ أخوتي هو الذي يناديهم، ترابُ موتِهم، أما نحن، فالذي ينادينا ترابُ حياتنا، هكذا، من الأول، ومَنْ منا لا يستطيع أن يسمع نداءً بهذا الوضوح ؟
أنتَ تذكر حكايةَ الشهيد محمد موسى أبو جزر، تذكُرها طبعاً، إنها تصديق لكلامك الذي قُلتَه، كيف يمكن أن تُفَسِّرها: رجل يغيبُ أربعين عاماً عن وطنه، ويشارك في معارك لا حصرَ لها خارجَ فلسطين، وبعد أن يعود يستشهد وهو يدافع عن)رفح). هنا، قُربنا.
الله، الله يا مصطفى،
لقد فهمتُ الآن، فهمتُ الآن كلامك الذي قلتَه لهم، فهمته يا مصطفى، الله كيف أشرق فيَّ، فجأة، كالنور، فهمتُ لماذا أشرتَ إلى التراب. كنتَ تسمعه، ولم تكن تخبرني، فهمتُ يا مصطفى، ليس هناك مبرر أن أكون قد سمعتُ هذه الأسطورة أو لا، المهم أننا نحسُّها، لأنها فينا، فيك، في دمك أسمعها تجري.
كيف لم يفهموا ؟
أتذكَّرُكَ، دائما كنتَ تسبقهم عشر خطوات، على الأقل، لا أريدُ أن أبالغ، لم أعد أحبّ المبالغة، فالزمان بالغَ معي بما يكفي ويزيد، دائماً كنتَ تسبقهم عشر خطوات على الأقل. أتذكُرُ، حين جاء جمال لخطبتي، حين حدَّثَ أبي، وحين ارتبكَ أمام سؤاله الذي لم يكن مفاجئاً، السؤال المتوقَّع الذي يسأله أهل أيِّ عروس: من وين بتعرف البنت ؟
ارتبك الحزين ! ! قال لي إن السماء سقطتْ على رأسه؛ وبعد قليل عرف أنها كانت ممتلئة بالغيوم، هكذا كان يستعيد الحكاية ويضحك: غرقتُ في ماء لم أر مثله يا آمنة، لا، ليس عَرَقاً، لو كان عرقا لأحسسته يتسلل من تحت ثيابي، لكنه كان يأتي من تحتها ومن فوقها..
قالَ له: وتحبها أيضاً !
وتجرأَ الحزين وقال له: وهل على الرجل أن يتزوج المرأة التي يكرهها.
: بتتمسخر عليّ ؟ !
هكذا صرخ أبي في وجهه. بتتمسخر عليّ ؟ ما في عندي بنات للزواج.
وحدكَ الذي وقفتَ معي، وحدك الذي قلتَ لي تلك الكلمات البسيطة: ولا يهمّك.
: ولا يهمني، كيف ولا يهمني؟ إن لم يخطبني اليوم فمتى سيكون ذلك، بعد أن يعودَ من مصر، لم تزل أمامه أربع سنوات حتى يتخرج، والله يعلم ما الذي يمكن أن يحدث في أربع سنوات ؟
وأعدتَها: ولا يهمِّك.
فقلتُ: ما دمتَ أعدتَها، فإنك تعرف ما الذي تقوله، ما الذي تعنيه. فلم أفتح الموضوع ثانية.
وقلتَ لي: لا تقطعي أهله، زوريهم، إنهم يحبونك، عيشي معهم كما لو أنك واحدة منهم، خطيبة ابنهم، وزوجة المستقبل.
: فِكْرَكْ ؟ ! ! !
: طبعاً.
: ولكن أبي سيُجَنُّ.
: سيُجنُّ؟ لا، لا أظن ذلك، سيُجنُّ لو أن جمال هنا في غزة، وليس في مصر، سيُجن، ربما، في البداية فقط.
كل ما قلتَه حدثَ. نعم، كلّ ما قلتَه. أرغى وأزبد، وشتم، وحين قلتَ له: إنها تزور صاحباتها، أخواته، فجمال في مصر، وليس هناك سوى الختيار والختيارة والبنات. قال: وليكن ! لا تزورهم، يعني لا تزورهم.
لكنني عشتُ معهم في بيتهم طوال تلك السنوات أكثر مما عشتُ في بيتنا؛ ويوما بعد يوم، لم يعد يسألني أين كنتِ؟ كان يراني سعيدة بوجودي معهم، الله يرحمه، لستُ أدري لماذا كان عليه أن يبدو قاسياً. هل هنالك سببٌ سوى أنه أب؟
وأن همومنا أكبر من جبل.
ناداني، وقال لي: تزوجيه يابا، أفضلُ بيتٍ للبنتِ هو البيت الذي يحبها فيه أهلُ زوجها أكثر منه. الآن أعرفُ أنهم يحبونك.
وصمت طويلا. ثم قال لي: أما أن يأتي هو ويقول لي بأنه يحبـ . . هكذا من الباب للطاقة، فهذا لا يجوز. فهمتِ.
قلتُ له: حاضر.
وعندها راح يضحك ويضحك: هل اعتقدتِ أنني أقول هذا الكلام عن جد ؟ ! !
وراح يضحك ويضحك حتى مات.
الله يرحمه.
* * *
وها أنا أضحك وأضحك، وأحسُّ بأن ضحكي فاق كل الحدود.
لا بد لي من أن أبكي قليلا إذن.
ها قد بكيتُ ! ! ولكنني لا أعرف الآن إن كنتُ أمسح دموعَ الفرح أم دموع الحزن، والله انكم حيرتوني ! !
وبعدين يا ولاد.
الشمس أصبحتْ في وسط السماء، ما هذا الكسل الذي نـزل فجأة عليكم، لم تكونوا هكذا من قبل، لا الزوج ولا الابن ولا الأخ، لقد نمتم كثيراً، أكثر مما يجب، وعليكم أن تصحو الآن، أن تروا الشمس، على الأقل، وأن تتحدثوا معي قليلا، قبل أن أذهب.
مصطفى، مصطفى، لا تنس أن عليك الكثير فأنت خال الولد. وأنت يا صالح، قوم، قوم شوف الشمس، شمس عيد ميلادك، لا تفوِّتها، شوفها، هذه شمسُ عامكَ الجديد، شمس سعدكَ. يا كسول، يا أهبل، هل يُفوِّتُ أحدٌ شمسَه، شمسه التي تشرق له وحده، أنظر، حتى الغباش لا وجودَ له اليوم، حتى الدخان غير موجود. هل تعرف منذ متى أنتظر هذا اليوم ؟ ! !
منذ، لا أدري، وأنا أعدُّ على أصابعي، لكن ما يدهشني أن أصابعي لم تعد تنتهي، ولذلك بقيت أعدّ وأعدّ، ليلَ نهار، حتى توقفتُ فجأة، وعندها انتبهت، وعرفتُ أنكَ قد كبُرت.
الآن، سأقولُ لك سرّاً، ولكن لا تبُحْ به لأحد، لا تبح به حتى للتراب، لأن الريح ستعرفه ! لقد فكَّرتُ طويلا، طويلا جداً، ولم أجد أفضلَ من هذا. سأزوجكما.
لا تريد أن تنهض، بلاش .
ها هو الشاي يبرد قبل أن تشربوه . والله لستُ أدري لماذا أُتعِبُ نفسي بهذا كلَّ يوم.
أما أنت يا مصطفى فها أنا أقولها لك سأذهب وأخطبها وحدي إن لم تنهض .
لن تنهض ! !
طيبْ ! !
إذا أفاق قبل عودتي لا تقل له أي شيء، إياكَ لأنني سأجعلها مفاجأة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق