أي المياه تنزل
أولاً، أيها يشربه البحر، وأيها ينعم بدفئه الأسماك، وأيها يتسبب في غرق ذلك الفتى
الساذج؟!
...
كأن يحكي عن الصدف التي مرت به في "الرحلة"،
كأن يحكي عن "الرحلة"، كأن يحكي عن ما يبدو للناس "عقبات" ثم
إذا به "منارات" السائر على الطريق !
. .
أود أن أتحدث عن فرصٍ تأتي وأخرى تروح!
عن أقدار ترسم أمامك بعناية
نقطة، نقطة ،
نقطة، ثلاث فواصل، نقطتين ، شرطة مائلة .. سهم للداخل!
...
يمكنك أن تحسب الأرقام التي ضاعت منك كـ وسيلة ذكية
للحفاظ على ذاتك هنا ولو في "سخان"!
ما هذا الكلام
أنا لا أفهم شيئًا ...
ماذا لو لم تقم
الثورة مثلاً ؟!
ماذا لو أني آمنت بوجوب (وليس مجرد احتمالية) السفر من
هذه البلاد!
هل كنت ستموت
كمدًا أم غيظًا ...
في أحلامي كنت
أشعر أني من الممكن أن ألعب ـ بين عشية وضحاها ـ بالأوراق النقدية لعبًا، وكنت على
يقين أن ذلك لن يغيَّر مني شيئًا، ربما يضطرني لأن أجلب الكلب إلى الحديقة مثلاً
(في إشارة ذات مغزى إلى امتلاكي فيلا وسيارة) أو أن أشرب الليمون يوميًا (في إشارة
أخرى..)
ولكن ذلك لم يكن
لي ...
قادتاني الحياة
عبر مساربها لأقدار أخرى، وأمور أخرى (والأمور غير الأقدار كما نعلم جميعًا) ..
لازلت أدور ..
أرقص بخفَّة ..
ودلع
ربما
..
كل ما وددت أن أقوله هنا لم أقله ..
وهذا في الحقيقة
ـ لو تعلمون ـ عظيم! ... درويش كان يقلدني كثيرًا .. ويقول .. انتظرها:
فرق بين أن تدخل البحر
بردانًا فتدفأ .. وأن يأتيك البحر .. فيغرقك!
لمَّا انتهت الحكايات، وهدأت العواصف، وخمدت
النيران .. جاءني ليثير الغبار وينفض خفايا القلب ويحرك الكوامن!
.
كنتَ كلما استغرقتك
حكاية، شعرت أنك فارسها المغوار، لم يؤت أحدٌ ما أوتيت، ولم يمس أحد ما مس قلبك،
لم يشعر أحدٌ بتلك النبضات، ولا تلك الراحة ولا مشاعر التحليق ولا حتى السقوط من
علٍ .. غيرك! كلها أمور تخصك، مميزة دومًا وفريدة .. تدور حولها وتدور حولك ..
.
كنتَ تلجأ مسرعًا إلى حروفك الأثيرة .. فتبني من
ذرات الرمل قلاعًا منيعة، وتغرق ملايين السفن في قطرات من الماء المتناثرة ..
ولم يكن يروقك ـ يا
مسكين ـ هذا كله ..
كنت تشعر أنه لا يعبر
عما بداخلك ولا ينقل مشاعرك الملتهبة وعواطفك الجياشة ..
بل وكان يضايقك تلقيهم
لكل ذلك بالمدح والثناء .. وكنت تقابله بالسخط والضيق!
يكون من السهل على الجائع تحديد
مشكلته وبمجرد وجود الطعام يستطيع أن يتغلب على هذه "المشكلة"، كذا
العطشان .. ما إن يرد الماء حتى .. يرتوي!
ولكن جوعًا آخر وعطشًا آخر لا يمكن
حله بورود ما يمكن أن يملؤه!
كالشوق مثلاً .. والحنين!
أي شوق يسكن باللقاء لا يعوَّل عليه ..
وأنا شوقي معوَّل وأنا به معلول!
ولا فائدة!
كل الكلمات التي تعبَّر أيضًا عن
دواخلنا لا تروي ظمأنا لما نريد، وكل الكلمات التي تنقل ما نريد
"حرفيًا" تظل عاجزة عن "التعبير" .. شيءً ما يخترق الحواجز
والحدود ويهدأ ويسكن في الروح .. يملأ ما بيننا وبينها، ولكنه سرعان ما يتلاشى كالسراب
ولا يبقى سوى الأثر .. والحنين .. والذكريات!
.
لا تيأسوا تمامًا .. يعملون الآن
جاهدين، كما عملوا دائمًا ـ وربما نساعدهم ـ على تكثيف لحظاتٍ بعينها من الحياة
(سواء حزينة أو سعيدة) حتى يمكننا استعادتها بالكامل، بل ويزعمون أنهم إذا نجحوا
في تكثيف لحظات السعادة لأكثر من إنسان ولمدد زمنية طويلة، فربما يكونوا بذلك قد
استحضروا "جنته" على الأرض! ..
ربما يستغرقهم التفكير حقًا، وينسون أننا في
الدنيا، وأن أجيالاً قادمة ستضحك ملء فيها على أفكارهم وتنعتها بالسذاجة، وأجيالاً
استقرت أرواحها هناك مطمئنة الآن تمامًا تبتسم لهم في شوق ..
.
.
خذنا إليهم يا الله .. فهناك حتمًا
.. لا تنقطع السعادة!