أحب
الكتب التي تستفزني للكتابة، وتثير لديَّ الذكريات!
الأسبوع
الماضي .. عندما انتهيت من كتاب جنة
الإخوان للصديق سامح فايز، وأثناء قراءة الكتاب أصلاً، كنت أتذكر كثيرًا تلك
الأيام القديمة التي تبدو كلما تذكرتها كأنها ماضٍ سحيق، رغم أنه لم يمض عليها
أكثر من عقدين من الزمان!
ربما لهذا السبب نحب "السير الذاتية"
لأنها تجعلنا رغمًا عن أنفسنا نقارن بين الكاتب وما مررنا به في سنوات عمرنا
الماضية، فما بالك إذا كان هذا الكاتب أصغر منك سنًا! ..
.
يتحدث
"سامح" في كتابه عند بداية التزامه، والتحاقه بجماعة "الإخوان
المسلمين"، فأتذكر أن بداياتي ـ خاصة في دولة كالسعودية ـ كانت مختلفة
تمامًا، بغض النظر عن كون والدي من الإخوان المسلمين أصلاً! (أقدَّر مفاجئتكم
وأعذرها) .. لذا كان تشرب أفكار "الإخوان المسلمين" أو "التيار
الإسلامي" عمومًا في مرحلة طفولتي أمرًا عاديًا ومستساغًا، أذكر جيدًا أني
كنت أغضب بشدة كلما رأيت أمي وإخوتي يفتحون "التلفاز" (يجب أن يقال هكذا
ليتوافق مع طريقة الشيوخ في الحديث عنه) وكنت أطلب منهم مرارًا أن يكفوا عن متابعة
ما فيه من "مسلسلات" على الرغم من أن "التلفزيون السعودي" لم
يكن يعرض فجرًا وفسوقًا، كالذي نشاهده "ونتسمَّر أمامه" كلما نزلنا إلى
"مصر" في الإجازات، رغم أنها كانت "في الأعم الأغلب" أفلام
أبيض وأسود! ..
الالتزام
إذَا، بل وحفظ القرآن والمواظبة على "الصلاة في المسجد" والاستيقاظ
لصلاة الفجر، كانت أمورًا عادية عندنا وعند طرف غير بعيد من أصدقاءنا، بل
وأقرباءنا أيضًا، أذكر أن جدي كان معروفًا بحضوره "صلاة الفجر" مع جماعة
المسجد، بل وعمل مؤذنًا قبل وفاته مع أنه لم ينتم يومًا لتيار إسلامي، كان تدينه
ذلك التدين الفطري البسيط، ولذا لا عجب أن جاء أبناؤه خليطًا بين اليمين واليسار
والوسط ..
يتحدث "سامح" عن أول حبٍ قابله في
حياته، ذلك الحب العذري الصموت، في المدرسة الابتدائية، وكيف قوبل يومها ـ دون
ذنبٍ اقترفه ـ ب"علقة سخنة" من أستاذ اللغة العربية! جعلت
"الحب" و"البنات" عقدة في حياته، لم يتمكن من التخلص منها إلا
متأخرًا في شبابه!
وأتذكَّر أني لم يكن متاحًا لي ما أتيح لسامح في
"الابتدائية" أصلاً، فلم تكن المدارس مختلطة (منذ الصف الأول الابتدائي بالمناسبة) في السعودية أمرًا متاحًا، البنت
طوال الوقت بعيدة عن الولد، وما إن تبلغ حتى يتم تغطيتها تمامًا من رأسها لقدميها،
ولم يكن "إبراهيم" حينها ساخطًا أو ناقمًا على ما يحدث، فوالدته وأخواته
كنَّ كذلك، بل وكان الانتقاد كله لمن يذهبن إلى "مصر" فيتحررن من العباءات
السوداء، ويلبسن البنطلون، غير أن ذلك المظهر العام لم يكن مزعجًا بالنسبة لي رغم
تديني الظاهري، كنت قادرًا على فهم أن هذه طبيعة بلد، ربما لم أربط الأمر بالدين
أصلاً! لم أقترب من عالم "الفتيات" إلا بالصدفة البحتة وفي المرحلة
الثانوية وابتعدت عنها بعد ذلك سريعًا! حتى جاءت الجامعة وتجارب الجامعة إليَّ
تتهادى!
يتحدث
"سامح" عن وجوده في كلية الحقوق، يوم كان يعمل ليحصِّل مصاريف الكلية،
وأتذكر شبيهين بـ سامح كانوا معي في كلية الآداب، أذكرهم بأسمائهم، كان منهم
"إبراهيم" الذي كان يخبرني أنه يعمل محَّارًا، ولهذا كان يغيب كثيرًا عن
المحاضرات، وكان يحب زميلة لنا في الدفعة، ولكنه اختفى في ظروف غامضة، وكنت أسميه
(إبراهيم انتساب)، وأسامة ذلك الشخصية الروائية باقتدار، الذي مكث أربع سنواتٍ
معنا مع بنتِ كنَّا نعتقد أنها قريبته وحبيبته، فلمَّا تخرجنا اكتشفنا أنه كان
يحافظ عليها فقط! وأنها لم تكن قريبته أصلاً، أسامة العزيز (ذلك الفتى الملتزم
الذي كان المصحف لا يفارق يديه) وكان يحب "الإخوان" ولكنه "ليس
منهم"، الذي اكتشفت أنه يكذب (بعد تخرجي بفترة) على صديقتي، ويخبرها أنه يحضر
دراسات عليا في الآداب وأنه الأول على دفعته (دفعتي) .. ولم يكن كذلك !! بل وكان يكتب لها كلمات "الأناشيد" على أنها من شعره وتأليفه!! كتبت عنه قصة مخصوص في كتابي
الأوَّل لأوثق تلك الحالة النادرة!
وأتذكر
صديقي "محمود فايز" الذي غيَّر حياتي بإشارة منه، واقتراح أن أحضر درسًا
لـ "راغب السرجاني" يوم كان مغمورًا في مسجدٍ قريبٍ من منزلنا، يوم
أسرني ذلك الرجل بطريقته، وأعجبت به وبتناوله وشرحه للتاريخ الإسلامي، وعرفته على
والدي، وكان ما كان!!! "محمود فايز" رغم أنه سكن عندنا في
"فيصل" وأذكر أنه تزوَّج قبلي، كان كلما قابلني يتندر من علاقاتي
بزميلاتنا في الكلية ويقول (إنت متعدد الثقافات)
..
أغبط
"سامح" على أنه يتذكر أشياء كثيرة من حياته، بالتفصيل، وأنه تمكَّن من
أن يدونها كلها في كتاب واحد، وأن كتابه يخرج إلى النور، ويسميه (جنَّة الأخوان)
رغم أن سيرة حياته أهم وأعقد من أن يربطها بتلك الجماعة مهما كان أثرها فيه
وانتقادها له ..
يذكر
"سامح" أنه انتمى للإخوان من 2000 إلى 2005 .. ويوثق علاقته بهم في
كتابٍ بينما أصمت أنا!
.
كتاب جنة الإخوان
سامح فـايز يتحدث عن تجربته في بلدنا بالمصري