حينما اندلعت الشرارة الأولى للثورة في 25 يناير 2011 فوجئ المصريون بما حدث في الشوارع وما نتج عن
ذلك من تجمعات ومطالبات باستمرار "الثورة، وتوقع الكثيرون أنها مجرد
"مظاهرات" لا تلبث أن تهدأ كما اعتدنا طوال فترة الرئيس الأسبق "مبارك"،
إلا أن الأمر لم يكن كذلك، إذ خرج الناس مرة أخرى يوم الجمعة الشهير ب"جمعة
الغضب" 28 يناير زاحفين من كل أرجاء المعمورة إلى "ميدان التحرير"
ويومها انكسرت شوكة "الشرطة" ثم انسحبوا بغبائهم لما علموا باستعانة
المخلوع بالجيش!
تابع الكثير من المصريين تلك الأحداث من شاشة التلفاز
مبهورين غير مصدقين، وشارك بعضهم في "الهوجة" فنزلوا إلى الشوارع لمَّا
ظهرت دبابات الجيش هاتفين "الجيش والشعب إيد واحدة" .. ولكن الأمر لم
ينتهِ عند هذا الحد!
احترق مبنى "الحزب الوطني" مساء الجمعة، وحمى
الشباب الثوري النقي "المتحف المصري" وبدأ "الاعتصام" في
"ميدان التحرير" لتحقيق مطلب الثورة الخطير وهو "إسقاط
النظام"، وبدأت المساعي الدبلوماسية السياسية لاحتواء الأزمة فأقال المخلوع
رئيس الوزراء وعيَّن واحدًا آخر، وأتى له لأول مرة ب"نائب رئيس" يمكنه
التفاوض مع ما سمي آنذاك بـ"القوى الثورية" ...
كل ذلك والمصريين ـ كثير منهم ـ يتابعون ما يحدث عبر
التلفزيون، إمّا خوفًا من المشاركة أو رغبة حقيقية في المتابعة عن بعد، سُمي هؤلاء
آنذاك بـ (حـزب الكنــبة) تلك الكلمة التي ما إن انطلقت حتى أصبح لها أثر كبير
وفاعل في أوساط الكثير من السياسيين والإعلاميين، لا سيما بعد أن بدا تحركهم في
الممارسات "الديمقراطية" التالية مثل الاستفتاء على الدستور .. مثلاً ..
اعتبر الكثير من
المراقبين أن "معركة الدستور" تلك هي أول انشقاق واضح للصف المصري الذي
بدا متحدًا فترة الـ 18 يوم في التحرير، وكان ذلك جليًا في محاولات
"الإسلاميين" استمالة الناس إلى الموافقة على إجراء تعديلات شكلية
للدستور حتى يتسنى لهم الترشح في مجلس الشعب سريعًا لاسيما وأن لجنة إعداد الدستور
كانت ذات طبيعة إسلاموية جميلة .. ومع أن (حزب الكنبة) العزيز لم يكن ميالاً بطبعه
إلى "الإسلاميين" إلا أنه كان أكثر تضررًا من "الثوريين"
ورغبة في "الاستقرار" وعودة الأمور إلى نصابها وما إلى ذلك .. وبالتالي
فقد كان حسمه لصالح "الإسلاميين" ..
رضي الثوريين طبعًا بنتيجة "الاستفتاء" وقبلوا
"على مضض" أن يلعبوا بشروطٍ موضوعة سلفًا، وحميت المعركة بين طرفي
المعادلة "المدني" و"الإسلامي" في انتخابات مجلس الشعب 2012 التي
نتج عنها سيطرة الإسلاميين على المشهد .........
وجاء وقت انتخابات الرئاسة أخيرًا، ولم يعد المشهد بصفاء
ورقة يناير 2011، كان لكل حزبٍ نواياه وأطماعه بل إن الحزب الوطني الذي كان قد سقط
تمامًا عاد لصدارة المشهد واستمال معه عدد من حزب الكنبة العظيم ليتقدم مرشحهم
الأوفى (أحمد شفيق) في انتخابات رئاسة الجمهورية وتحت حكم العسكر ضاربين عرض
الحائط بكل محاولات قوى الثورة للعزل أو الإطاحة بالعسكر أولاً !
(عمرو موسى ـ عبد المنعم أبو الفتوح ـ حمدين صباحي ـ
محمد مرسي ـ وأحمد شفيق)
لنقل مبدئيًا أن أحدًا لم يكن يتصوَّر بعد أن أسقط الناس
"مبارك" أن يعود لنا مبارك آخر في هيئة "شفيق"! وأن كل استطلاعات
الرأي في الشارع وفي المراكز المهتمة بالأمر كانت تشير (ولا أعلم لماذا) إلا أن
الأمر سيستقر على "الإعادة" بين مرشحين اعتقد الناس أنهم الأثقل وزنًا
والأعظم أثرًا وهما (عمرو ـ وأبو الفتوح) إلا أن مناظرة رئاسية (هي الأولى في مصر)
بينهما يبدو أنها سحبت من رصيد الاثنين معًا، ففي الوقت الذي كان "موسى"
يحسب فيه على تيار المدني المحافظ (لانتمائه لرجال النظام السابق) خرج متحدثًا عن
الثورة كأنه أحد رجالها، كما حاول "أبو الفتوح" طوال الوقت أن يزاوج بين
المدنية والإسلامية، فلم يجتمع له شيء منهما، وكانت نتيجة المرحلة الأولى المفاجئة
والمخالفة لتوقعات الكثيرين وهي جولة إعادة بين مرشح الفلول المحترم
"شفيق" ومرشح الإخوان "الاستبن" "مرسي"!
طبعًا نسنيا أن نذكر (في المنتصف) أمورًا كثيرة،
وأحداثًا "عظيمة" حدثت إبان وجود التحالف الإسلامي في "مجلس
الشعب" قبيل انتخابات الرئاسة، بل وتحول وجهة "الإخوان" ـ الفصيل
الأكبر سياسيًا وتنظيميًا في مصر ـ من عدم ترشيح أحد للرئاسة إلى ترشيح اثنين:
واحد "أصلي" والثاني "استبن" وهو الذي انتهت الأمور إليه!
الحقيقة أن الشقة كانت قد اتسعت بين ممثلي الثورة
والتيار الديني أو "الإسلاميين" بصفة عامة، وبدا للثوريين حينئذِ أن
(حزب الكنبة) الداعم الأول للاستقرار ولدولة "مبارك" الزائلة، ربما
يرجِّح كفة "شفيق" على "محمد مرسي" الذي يظل مهما دارت بيننا
الأحداث واحدًا من "فرقاء الثورة" حينئذٍ حسم الكثير من الثوريين أمرهم
.. واضطروا لانتخاب "محمد مرسي" حتى يقفزوا بالثورة إلى شاطئ النجاة.
اصطلح "إعلاميًا" على تسمية ما فعله الثوريين
في تلك اللحظة الفارقة من عمر مصر باسم (عصر الليمون)
أما نحن فقد
اخترنا الآن .. أن نشرب الزبادي ..
طبعًا للحديث بقية
طبعًا للحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق