"مكان العمل" الذي أمضيت فيه نحو عامين تقريبًا، واستفدت فيه عددًا من الفوائد العظيمة والخطيرة والفظيعة التي أصبحت مؤثرة عليَّ كلها لا مهنيًا، بل اجتماعيًا في أكثرها، وفي طريقة تعاملي مع الناس، وكيفية معرفتهم، أو رؤيتهم على حقيقتهم (كما نقول دائمًا) ...
. . . .
هنا ، وفي مدونتي الأثيرة، كنت قد كتبت عن " الفرصة" كــ "بنت جميلة" (مش محتاجين تركيز) وأذكر حوارات "وسط البلد" مع أحد أصدقائي حول الأمر، وكان ذلك أثناء قصر رؤيتي على العالم من حولي، أو ما وصلني حينها من "عوالم" ...
(صدقوني جميلٌ التحدث عن مرحلة فاتت)
كنت وكانوا، ... من أوائل القادمين بواسطة إلى هذا المكان الذي بدا لي حينها "العتبة الخضرا"، التي ما لبثت أن اسودت، بفعلي أنا طبعًا، ذلك أني كنت كالحشرة الجرثومية التي ملأت المكان بالوباء، فالعالم من حولي كان يعج (حلوة يعج دي) بالأنقياء الأطهار، الذين يصلون الفجر جمـاعة فجرًا، ويستمعون إلى الخطب والمحاضرات والدروس الدينية، ويلقلون بعضهم بـ " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ويعدون أنفسهم " أخوة" ....
الله ، كم هي جميـلة هذه المعاني، ورائـقة ..
(يا أخي حتى مصارين البطن ببتعارك) ...
نعم، وهذه ليست "شهادتي" للأيـام، ولكن (مصارين البطن) كانت الأكثر لؤمًا وخبثًا، فهي تلقاك بوجه باسم، وتطعنك في ظهرك كذلك بوجه باسم، وتظهر لك اهتمام بأمورك في حين أنها تستغل كل معلومة للنيل منك، لا لشيء (حـد علمي حتى الآن) إلا لأنها تريد أن تفعل ذلك .... وربما بـحُسن نية !!
.
هل كنت منذ اللحظة الأولى غير مناسبٍ للمكان؟!! أبدًا ؟؟
هل صحيح أني لم أعطِ (المكان) إلا 30% من مجهودي ؟؟؟
هل صحيح أني ضيعت عليهم كل هذا، وكانوا يعاملوني بكل ود، وأنـا كنت أطعنهم من الخلف ؟!!
هل انتهاك الخصوصيات، بدعوى "مراقبتها" وبزعم الحرص على "الصالح العام" لا يدخل وفق قول الله عز وجل (ولا تجسسوا)؟؟ ، أم أن لله معهم حسابات أخرى ، قد لا ندركها نحن بفهمنا القاصر طبعًا !!!
البعض يشعر أنك ما دمت تعمل عنده فإنه من حقه أن يتدخل في كل خصوصياتك، من ربطة الحذاء إلى ربطة العنق، ويحكم أحيانًا ربطة العنق تلك !!، وهو لن يأل جهدًا في الاستدلال بأن كل ما هو فيه فهو على صواب، وأن الباقين كلهم (أولاد****) يستأهلون الحرق !!! نعم، يفعلونها تمامًا وبأنفسٍ راضية وبقناعات لا يهزها إلا دعاء الأمهات (ربما) !!
كنت أتساءل طويلاُ كيف يكرهون لهذا الحد ؟؟ حتى عرفت كيف أكرههم تمامًا، ولا تنسى البشاشة في اللقاء أيضًا !!!
أسمع منذ أيام "حوار مع النفس" لكاظم: ما بال بعض الناس صاروا أبحرًا ... يخفون تحت الوجه حقد الحاقدين !!
وأدعو معه :
يارب إن ضاقت قلوب الناس عمَّا فيَّ من خيـر فعفوك لا يضيق !!
لم أكن أتخيل أن قربي من شخصٍ يمكن أن يحوله لندٍ أو عدوٍ لي !!، ولكن هـذا ما حدث فعلاً !!!
( يااااااارب لا تقربني من أحــدٍ بهذه الدرجة) ,,,,
أرتاح أنا لدرجة معرفة، وسلام وابتسام، وظن الخير، عن معرفة نفوسٍ تمتلئ بحقد لا مبرر (حتى) له !!
أقول ذلك لأن أحدهم سعدت بأنه سيكون معي في هذا المكان، فلم يكن منه إلا أن أصبح "أسخف" الموجودين فيه، وأكثر الناس "حرصًا" على إيذائي !! ، طبعًا لأني شخصٌ شرير ومقيت !! وأستحق (ولا شك) أكثر من ذلك !!
أشهـد أنها ستظل ذكرى، مرت بمرها ومرها، وما كان فيها من لحظات حلوة بحق، عشتها أنا ولو مع نفسي فقط، حينما كنت أنجح في العثور على موضوعٍ لبحث، أو أكمل خطة مشروع سهرنا عليه أيامًا، وأشهد كذلك أن الصورة ليست كاملة القتامة، فلا يزال في (المكان) رجلاً حقيقيًا، وواجهةً مشرفة اسمه (وليد ) أحببته ربما بعدما رحلت أكثر مما أحببته أثناء تواجدي في المكان، ربما لأنه أحد الذين علموني كيف نتعامل مع الخطأ بذكاء وعقل، وليس بتخلف وعنجهية !!
.
.
للموضع شجون أكثر من أن أطرحها في "تدوينة" عابرة، أطرح أطرافًا منها:
*** فكرة انتهاء العمل، والبحث عن آخر، وتلك المساحة من "الحرية" بعد الخلوص من قيدٍ أنهكك التعامل معه، كانت أكثر ما أسعدني (من جوّه) أنذاك، لا سيما حينما قال لي أخي (في عز الأزمة): الحمد لله إنك خلصت منه !! وكأنها "الغشاوة" انزاحت عن عيني فجأة لأكتشف أني كنت مقيدًا محسوب الخطوات والإشارات ، الطريف أكثر ربما، اعتقاد البعض أن الحياة تنتهي بهم عندهم !! وأني ربما لن أجد عملاً بعدهم (وهذه الفكرة وجدتها بعد ذلك في أكثر من مكان، وكانت حقًا طريفة) ...
**** فكرت أثناء البحث عن وظيفة أخرى (والوظيفة للمهتمين تختلف عن العمل) أن أكتب شيئًا شبيهًا بـ "مذكرات عاطل"، أحكي فيه عن الأماكن التي قدمت فيها سيرتي الذاتية الـ"مفتخرة" وأوراق اعتمادي، لا سيما تلك الأماكن التي كانت تضع اختباراتٍ للشخصية، رأيتها (ككاتب هاوٍ) فرصة للتندر ثمينة، منها مثلاً ما تفعله (دار الفاروق) من اختبار، يشعرني أنهم يريدون شخصًا بعينه، أذكر حينها أني فرحت لأني أكتب رأيي الشخصي في أشياء لم يسألني عنها أحد من قبل، وأبرهن لنفسي على أني مثقف، لم أقبل في دار الفاروق، ربما لأن آرائي لم توافق هواهم :) .....
****** كان لنا زميل "محمود" في المكان أخبرني أنه تنقَّل في مراحل حياته (وهو بعد لم يتعد الثلاثين) على نحو 17 مكان عمل، تركها جميعًا، لم يطل به المقام بيننا!!، ولكين لا زلت أود أن أعرف كم الخبرات التي اكتسبها في كل تلك الأماكن!! ربما يكون موضوع كهذا رسالة لكل من يقدم استقالة، أو يقدمون له استتقالته إلى أن الدنيا لا تغلق أبوابها إلا إذا أردت أنت أن تنام ....
******** (حموووود) ـ كما يُحب أن أناديه ـ من المرشحين بقوة للحاق بي (من هذا المكان)، كلما قابلته وددت أن أكتب عنه (شخصيًا) موضوعًا خاصًا، لأن هذا الـ"ولد" حـالة خـاصة جدًا من الذكاء في التعامل (على الرغم من حداثة سنه) (حلوة حداثة سنه دي ) ربما ذلك بسبب احتكاكه المباشر بهؤلاء الناس، ومعرفته كيفية التعامل معهم، وقدرته على تسيير أموره وإن رغمًا عنهم، أعترف له هنا أنه أذكى مني، وأني سعدت بمعرفته ربما أكثر من الكثيرين ،،،، ولحمود قصة طريفة تُروى حينما أخبرته عن صدور "كتابي" حيث أصبح يعاملني باعتباري مشهورًا ....
بالمناسبة (حمود) صوته حلو جدًا، وأتوقع له مستقبلاً مبهرًا ،،،، وأما نشوف ياعم مين فينا اللي هيسبق التاني :)
***** فكرت 5 مرات أن أكتب عن المكان الجميل الذي ذهبت إليه بعد هذا المكان مباشرةً، وكان بالنسبة له (مسرحًا) وليس مكان عمل، حيث الحرية، وقلة المجهود في العمل، والراحة التامة مع العاملين، وإن كان أيضًا يتملكهم وجود "مدير تنفيسي" لا يقلقه إلى سعادة الموجودين !!
لا أزعم أني ذكي، أو عبقري استطاع أن يجد عملاً آخر في وقت قياسي، وكلما سد في وجهه باب فتح له (الله) باباًا آخر، ولكن أحمد الله، حيث أجدني لا أنتقل من مكان لآخر إلا بتوفيق الله وحده، وبركة دعاء أمي ((ربنــا يخليها لي)) ورضـا والدي ...
ذلك أنني ربما تعلمت أن "وقوف الماء يفسده ... إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب" على نحو ما قال الشافعي !!
حقيقي الحمد لله على كـل حـال
ويبقى الود ما بقي الوفــاء ! :)