.
.
أما أنا فأذكر جيدًا مدرس العربي في المرحلة الإعدادية الذي لمحني أقرأ أثناء "الحصة" كتابًا فاستخرجه من درجي بهدوء، ولما وجد أنه (النظرات ـ للمنفلوطي) أعاده مكانه ولم يتكلم ولم يعترض، هذا المدرس "الجميل" الذي كان يستوقفنا إذا تأخرنا عن موعد الحصة فيقول لن أدخلكم إلا إذا أكملتم شطر هذا البيت، ويذكر بيتًا من الشعر (أبني إن المجد شيء لين ...) فلا يكمله أحد سواي (وجه طليق وكلام لين) .. يذكرني بزميله الآخر في مدرستي الأخرى التي حللت عليهم وافدًا في مرحلة جديدة فأخذ يعايرني بأنه قد حفظ زملائي في المدرسة أبياتِ من شعر الحكمة، فهل لي أن أحفظ مثلهم ؟ وفعلت كنا نحفظ شعر بشار والمتنبي والجاحظ من قبل حتى أن نعرفهم ...
أشعر أني حديثي على هذا النحو سيجرني إلى الحديث عن علاقتي (بالأدب) وليس علاقتي بالمدرسة!
للمدارس عندي ذاكرتان واحدة سيئة تبدو درامية، وأخرى جميلة مرحة، يعيب الاثنان أنهما مبعثرتان في عدة أماكن!
أذكر من أصدقاء المدرسة صديقًا ممتلئًا بعض الشيء، كان اسمه "محمد عشري" تقريبًا ولم يرتح لأحد في "الفصل" سواي، كانوا يسخرون منه ـ كعادتهم ـ وكنت ـ تقريبًا ـ أصدهم عنه! كنت وافدًا أيضًا واستطعت أن أفرض احترامًا غريبًا (بالنسبة لي على الأقل) هذا العام على طلبة هذا الفصل، ولكن "عشري" كان يأخذني ويرفض أن ينزل "الفسحة" بمفرده ، ويصر على أن يمسك يدي ويقول هيا بنا (حركة طالبان تهز المدرسة هزًا عنيفًا) J J
أذكر أني كنت أحب المدرسة، وأهرب فيها من ضغوط المنزل وسخافاته (من يسمع ضغوط المنزل هذه يشعر أني كنت أعمل في الفاعل أو المفعول به) لم يكن على أيامنا "الفيس بوك" ولا "الانترنت" أصلاً قد غزا العالم، أيامها كانت أقصى ألعابنا فيفا (مؤخرًا طبعًا) و MK2 (موتورال كومبات!!) و دووم و (ماتحتاجه من أجل السرعة) أو Need For Speed .. وغيرها والحديث ليس عن الكمبيوتر بالمناسبة، وإنما عن أن البيت لم يكن مكانًا مفرحًا كالمدرسة، ظل هذا الأمر معي ـ بالمناسبة ـ حتى الثانوية العامة، لا يقتصر على فترة الطفولة مثلاً، فكنت أنتظر الدروس/الحصص التي نضحك فيها، يكون الضحك حلوًا حينما يكون جماعيًا بمواقف مختلفة يصعب حصرها، حتى في سخرية المدرسين منًا أو من أصدقائنا .. من فرحة بعضهم بي (كنابغة فذ مثلاً) سعادة لا توصف ، وهنا يحضرني أستاذ اللغة الإنجليزية الذي كان يطير فرحًا بي عندما أشرح له معاني إحدى الكلمات بالإنجليزية وكان يهتف وسط الفصل (برااافو ... آآآداااب إنجليزي يا إبراهيم) وكان يتنبأ لمن يخطئ بالمعاهد التجارية أو فتح محل "بقالة! وخيبت ظنه ودخلت (آداب عربي) ولكنه ظل فرحًا بي وبنبوغي : ) كان يسخر من استخدامنا للكتاب المساعد في الإنجليزية (واسمه تبسيط الإنجليزية) سمبيلفيد إنجليش وهو كتاب شهير كـ (سلاح التلميذ)* ويقول عنه أنه كتاب قاتل ...
أحب طقس "العودة" للمدارس، وتهيئة الـ كراريس والأقلام، ويسرني جدًا العودة للمنزل بالكتب جديدة نظيفة مرتبة واستقبال المعلمين (الذين كانوا محترمين) للطلبة (لاسيما الجدد)كم مرة كنت طالبًا جديدًا في مدرسة؟؟
كثيرًا فمثلاً أول ما التحقت بمدرسة ابتدائية في الصف الثالث (في حين أن الطلبة الطبيعيون يكونون معًا في الأول والثاني) ولكني قفزت قفزًا إلى الثالث، وأذكر ـ باسم ـ معلم الفصل حينها، وكان اسمه (فهد العبيدان) بمدرسة (عثمان بن عفان) كان رجلاً محترمًا وطيبًا، أعتقد أنه كان يحبني، وكان يكافئ المجتهد منا بقلم رصاص "سنون" وكان حينها هدية عظيمة ..