.
كانت مارلي ـ في بدايات تعرفي بها ـ تسخر من فكرة أن كل
المصريين اسمهم "محمد" أو "أحمد"، وتزعم أن هذا الأمر لا يحدث
عندهم أبدًا، فيستحيل أن يسمي أحدهم ابنه مايكل ويكون اسم جده مايكل أيضًا (تجاهلت
أن أعرضها بفكرة جورج بوش الأب، لا سيما أن هذا ليس موضوعنا) (بل ولم أعارض الفكرة
أصلاً) ...
كنَّا نتحدث عن ذلك الشارع الذي غدا بين عشية وضحاها رمزًا للقلق .. والموت .. والثورة!
مارلي بطبعها هادئة، وإن كانت مع حقوق المرأة (لاسيما
فيما يخص علاقتنا) وحقوق الإنسان (عامة) ولكنها كما لم تفهم الثورة، رغم شرحي
الطويل المستفيض .. (كانت تقول اذهب إلى أي محل تجاري في مصر وفهمني لماذا يقومون
بالثورة) .. ولم أكن في حالة تسمح لي بأن أشرح لها سنوات العذاب والشقاء والبلاوي
السوداء!
.
كانت تؤكد أني
لازلت "صغير السن" وأن المتظاهرين في هذه المرحلة (كانت تروقني وهي
تنظِّر وكأنها باحثة في العلوم الإنسانية) يكون أكثرهم شبابًا لأن الشباب يرفضون
كل ما يأتيهم، وتستفيض شارحة في عقدة أوديب وما إلى ذلك من النظريات الفلسفية المستهلكة
...
.
كنت أسمع كلامها
كله باستمتاع حقيقي (وربما بحب) . وأصب لي ولها كوبًا من البرتقال الطازج، وأقول
اشربي!
كانت (مارلي) تعتبر ذلك استهزاءً بأفكارها وهي تتابع
الأحداث المتلاحقة على الشاشة مطلقة أقذع الشتائم وهي تقول انظر لهذا الولد كيف
يرمي كيف ...
..
قررت أن آخذ مارلي، لا حل إلا أن تشاهد هؤلاء الناس رأي العين، ربما تفهم شيئًا من تعبيرات وجوههم، ربما تدرك مالا أستطيع أنا أن أشرحه بخبطٍ منمقة وشعارات عديدة ...
..
قررت أن آخذ مارلي، لا حل إلا أن تشاهد هؤلاء الناس رأي العين، ربما تفهم شيئًا من تعبيرات وجوههم، ربما تدرك مالا أستطيع أنا أن أشرحه بخبطٍ منمقة وشعارات عديدة ...
.
إنه
يهذي!
مارلي
لم تتكلم معه لا عن "محمد محمود" ولا عن "الشهداء" ولا عن
الثورة!
مارلي كانت قصة وانتهت منذ مدة، قبل أن تقوم
لهذه البلد ثورة أصلاً
ولا
أعتقد أن "مارلي" كانت ستبقى في هذه البلاد يومًا واحدًا بعد اندلاع أول
شرارة للثورة ..
مارلي جبانة فعلاً كانت تخاف من كل ماهو مختلف
عنها وعن عالمه، إلا هو!
لا أعلم ما الذي شدها إليه؟!
ربما كتابته، رغم أنها لم تصرح له بذلك يومًا،
بل وكثيرًا ما بدت غير مكترثة بمؤلفاته!
ربما طريقته في الكلام
ربما شيء آخر لا نعرفه!
ربما كانت تحبه فعلاً ؟!
ولكن
هو؟! هل كان يحبها ؟! أم أراد أن يحول قضيتها لقضية رأي عام .. صحفية أجنبية تقتل
بيد قناصة الداخلية!
....
كلما طلب مني أحد أن أروي له ما حصل بالتفصيل تطير الكلمات
من لساني ويتوقف عقلي عن التفكير، وتبقى صورة واحدة شاخصة أمامي ..
صورة مارلي وهي مصابة بذلك الطلق الناري الغريب!
الذي كأنما
اختارها فجأة ليخترق صدرها الجميل .. وتستقر بين يديَّ!
.
......
كنت أعلم أن هذه
الخدعة ستنطلي عليهم، ويضطرون لتصديقها، لا سيما مع اشتعال الأحداث، وعلمهم بأني
أتردد هناك كثيرًا، قلت أعيد "مارلي" مرة أخرى بطريقتي إلى صدر المشهد، لاشك
أن بعضهم سيتبرع بزيارتها في المستشفى ويرى ذلك واجبًُا عليه فعله، ربما يطلبون
ذلك كلهم، حينئذِ سأعطيهم عنوانها في المستشفى .. وأخبرهم أني آت معهم إليها ..
و
و
(يبقوا
يقابلوني)
بإمكان أي كاتب
كبير أن يفترض وجود شخصية ما أجنبية في خضم هذه الأحداث، ترصد وتراقب وتتعجب،
وتتأمل وتتألم مع الناس، بل ربما يمكنه من خلالها أن يعرض وجهة نظره التي يجب أن
تتسم بالسماحة والإنسانية، وتجعل القارئ متعاطفًا مع كل ما يحدث، بل ربما يدفعه
للمشاركة في الأحداث .. فجأة!
..
.
هناك تعليق واحد:
ولكن هل يصدق كل الناس كل الحكايات؟!
هل يؤمنون فعلاً بالدم؟!
ألازالوا يتأثرون فعلاً بمشاهد الموت المتلاحقة؟ أم أن أحاسيسهم قد تبلدت؟!
ماذا أفعل لكي أعيد إليهم ذلك الإحساس الإنساني القديم؟!
.
ألن يقولوا ولماذا ذهبت إلى هناك؟!
ألن يلقوا بالتهم دائمًا على الضحايا؟!
.
هل يجب أن استفيض في شرح محاسن مارلي، وكيف أنها كانت تحب المصريين جدًا، وتحب الخير أكثر، وتعطف على "الغلابه" و"المساكين" حتى يتعاطف الناس مع مقتله؟!
بل ربما اضطروني أن أجعلها قد أسلمت في أواخر أيامها، وأنا كانت لا تدخن ولا تشرب معي؟ ولا تنام أيضًا؟!
ربما يجب أن أنكر علاقتي بها أصلاً
وأخبرهم أني تعرفت عليها مصادفة في الميدان، وأنا حكت لي كل هذه الأشياء بينما نحن هناك!!
.
هل سيصدقون حكايتي بعد هذا كله؟ ويتعاطفون مع "مارلي" واللي جابوا مارلي؟!
أم يقرؤون ويحوقلون ... ويكملون حياتهم كالبهائم؟!
إرسال تعليق