حاجتنا إلى الموازنة بين الطائيين! ... وغيرهم!
هذا الموضوع/المقال ليس نقديًا يا سادة حتى تنصرفوا عنه، ولمن تثقَّف منكم وعرف كتاب (الموازنة بين الطائيين) للآمدي، فإني لا أنوي أن أقدمه أو أعرضه لكم! ... الأمر أبسط من ذلك كله بكثير!
الأمر أننا نتسائل كثيرًا هذه الأيام وقبلها وسنظل نتسائل هل نحن فعلاً بحاجة إلى النقد؟!! ...
هذه الخواطر دارت في ذهني إثر تقديمي للصالون الـ12 للمغامير مؤخرًا بمكتبة البلد، وكان عليَّ أن أعد للمقام مقالاً، ولم أفعل، الحقيقة أن ما قدمه الناقد الصديق "جمال العسكري" لم يكن (في ظني) محتاجًا لكثير تقديم، ولا لمزيد من المداخلات من الحضور، وإن كانت كلها ثرية! ..
كان كلامه كثيرًا ومرتبًا وعميقًا، التقطتت أنا منه ما قاله عن كتاب (الموازنة) بين الطائيين (أبو تمام والبحتري) للآمدي، أحد شيوخ النقاد في القرن الثاني الهجري!
يبدو الأمر وكأنه تقهقر فظيع دراماتيكي إلى الوراء!، ولكني وأثناء ضربه للأمثال شعرت بمدى حاجتنا لمثل تلك "الموازنات" النقدية، والرؤى المنهجية التي تعرف أطراف كل "صراع" أو "مذهب" مميزات وعيوب مايحبون أو ما يهذبون إليه، ليس أملاً في تغير وجهات نظرهم أو تحولها للوجهة الأخرى، ولكنه سعيٌ نحو معرفة حقيقية وواسعة بأصول وجماليات كل طرف وبيان معايبه وأخطائه أيضًا! ...
يحكون أيامها أنه دارت خصومة شديدة ونزاعات عميقة بين شاعرين، أحدهما يعد "محدثًا" وهو أبو تمام (تخيلوا بقى) والآخر رجل ملتزم بما ذهب إليه القدماء في الكتابة هو البحتري، وتقريبًا لم يصلنا من شعر الاثنين (وإن كانت دواوينهم متوفرة) أشياء كثيرة تُذكر، فدارسو الأدب القديم فقط وبعض محبي الأدب يعرفون بائية أبي تمام (السيف أصدق إنباءً.... ) ولا أذكر شيئًا الآن للبحتري! الشاهد أن الاختلاف كان كبيرًا بين الاثنين، وكلاً منهما يزعم لنفسه الريادة والأصالة في الشعر، فما كان من الآمدي إلا أن كتب كتابه الذي يعده نقاد الأدب في كل عصر وأوان مدرسة من مدارس النقد القديم، وآيـة من آيات براعته! ....
ماذا فعل "الآمدي" في الموازنة، ولم يفعل ناقد عربي واحد في "حياتنا" حتى الآن! ...
ببساطة أتى بشعر الرجلين ووازن بينهما، وكأنه قاضٍ وضع لكل واحد بشكل محدد عيوبه ومحاسنه، ووضح للمدرستين أن الجمال ليس مطلقًا (وكلنا نعرف ذلك) وأن تحيز أحدنا لطرف دون الآخر لا يعني نفسه ونفي جمالياته!، ولكن ينبغي لنا حتى تكتمل أدواتنا الجمالية أن نكون على وعيٍ كامل بتشكل ذائقتنا الفنية والجمالية!
أعتقد أن ذلك كله هو ما ينقصنا كثيرًا هذه الأيام وعلى الدوام!
وهوا ما يوضح دور النقد، وأثر غيابه على الساحتين الإبداعية والمجتمعية! (أي في تطور وتغير الإبداع من جهة، وتغير وعي المتلقي أو الجمهور من ناحية أخرى)! ...
من هنا، وبعد توضيح المثالب والعيوب والمحاسن والمساوئ يبقى كل طرفٍ عارفًا للأرضية الجمالية التي يقف عليها، ولا يختلط الحابل بالنابل في الكتابة الأدبية والنشر وغير ذلك! ...
إشارة أخرى كانت طريفة جدًا أشار إليها "جمال العسكري" وأعجبتني جدًا وهي أن أيًا من النقاد المعاصرين لم يلتفت أبدًا إلى سـر انصراف طائفة كبيرة من الشباب إلى قراءة الروايات البوليسية (ضاربًا المثل بسلسلة رجل المستحيل لنبيل فاروق) وأن هذا مؤشر خطير يكبر معه تدريجيًا غياب النقد عن كل ماهو "جماهيري" بدون أسباب منهجية واضحة، كما أشار إلى أن هناك رسالة ماجستير تعد حاليًا لدراسة ظاهرة "البيست سيللر" وأن هذا الاتجاه جديد على دراسات النقد الأدبي، وإن كان موجودًا عند علماء الاجتماع!
غياب النقد أمرٌ مُسلمٌ به، ولكننا نود أن نشير ـ هنا ـ إلى أن فكرة عقد الموازانات والمقابلات الأدبية بين الشعر والشعر، أو بين الرواية والأخرى، ستثري العملية الإبداعية بشكل كبير...
لسنـا إذَا بحاجة طوال الوقت إلى ناقدٍ كلما صدر كتاب جديد أشاد به مع المشيدين، أو حكى حكايته بشكل مقالي ركيك، ربما لكي لا يحسب ضمن صف المعارضين، نحتاج إلى ناقد ذكي متمرس، يمتلك أدواته بشكل كامل، ويصدر عن مواقفه الخاصة جدًا المبنية على رؤية واضحة المعالم محددة الأركان، لا يستند على مقولات نظرية جوفاء، لا تغني ولا تسمن من جوع، بل يستند إلى رؤية توضح الجماليات، ولا تتوانى عن تقديم المثالب والعيوب بأسلوب علمي رصين! ...
هل يمكن أن نصل لذلك يومًا ما حقًا!
.
.
أحيطكم علمًا أنه وإيمانًا منا بدور النقد (الآخذ في التراجع) فقد أخذنا على عاتقنا (حلوة أخذنا على عاتقنا دي) مهمة قد تبدو شاقة ولكنها ليست مستحيلة، وهي توصيل الكتاب والمبدعين بالنقاد المتمرسين (أو الذين يحاولون أن يكونوا كذلك) وسنبدأ بإذن الله اعتبارًا من الشهر القادم بتقديم قراءات نقدية جادة لإبداعاتنا الشبابية، نأمل أن تحقق الغرض وتفي به!
تابعونا تجدون دائمًا كل ما يفيد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق