أنت

في حياتي كلها أتوقع أن تكوني بذرة الضوء التي لا أدري كيف تنمو بداخلي لتنير اليوم، لكن أثرك أعجز ـ لازلت ـ عن التعبير عنه **** ، ولكنكِ تفرحين، وها أسنـانك تظهر .. ف تبتسمين :) وتطلع الشمس، هذه المرة ليس عنِّي بل عن جميل مرورك كلما حدث ... أمــــــــانـــــة عليكو أي حد يعدِّي هنا يترك تعليقًا .. ليستمر النور :)

الاثنين، 19 فبراير 2007

كيف تموت المـلائــكــة ؟؟

عن روايــــة صـوفيـــــا لمحمد حســن عـلوان ...

رأيتُ كيف تموتُ الملائكة، ورأيتُ كيف يشبه ذلك غروب الشمس الأولى من التاريخ، يوم لم يكن مخلوقٌ قد رأى الغروب بعد، ولا يدري أين راحت تسقطُ الكبيرة التي تضيئه منذ خُلق، ولذلك دهشته كدهشتي، وملامحه كملامحي، وحزنه مثل حزني أيضاً، كلانا استفهم الأمر من زاوية تخيفه، وتشبّث بخوفه حتى آخر رجفة، كلانا لم يتصور أن الأمر مجرد تبديل لنوبات العبادة في قصر الله، وإحلالٌ مستمرٌ يتكرر دائماً في مصير ابني الكون الثابتين، النور والظلام.

كنتُ خائفاً إذ رأيتُ ملاكاً يموت، ورأيتُ القواميس تُكتبُ وتُلغى في لحظتين!، والزمنُ يهوي مثل مثقابٍ مكسور، ورأيتُ الظلام يخنق ماهيته النورانية، ويغيبه بعيداً عني، وينفث سواده مثل بطن إخطبوط، رأيتُه يضمحلُّ مثل دِينٍ قديم، ويسجد جفناه لبؤرة عدم، ويختفي كرائحة مسافر، ويموتُ على شفا وحي قريب لم يصل بعد، ولا يستطيع أن يعود إلى أعلى.

هكذا حياة الملائكة، رهانٌ مستمرٌ على حمل الضوء مسافةً أبعد، لذلك الكون لا ينتهي، والله يزيد، ويزيد، لا بد من مضمار كافٍ لأخلاقهم، لابد من مرتعٍ فيه يستبقون، وينشرون حكاية النور التي تسكنهم، ينطلقون بآيات، ويعودون بأخرى، كأن أعمارهم هي عدد الشؤون التي يقضونها في الخليقة، ثم موتٌ أولٌ بعده عدة ميتات محتملة، تتفرق أجسادهم، وتعيد تركيب نفسها من جديد، على هيئة أخرى، ولكن لا تتذكر هيئتها السابقة أبداً، لا تتذكر منها طرفة عين، إننا نسميه موتاً، لأننا لا ننتقل، ولا نتحول إلا إلى رماد، إن الموت بالنسبة للملائكة مختلف، ربما لا يعني أكثر من فقدان متكرر لذاكرة الحالة السابقة!

كنتُ تحت شراعٍ من الغيب الذي يُفلتُ أحياناً ويتجول في الأرض، متسربلاً بمللي من الأشياء التي حولي، وخوفي من الأشياء الأخرى، فرأيتُ الطريقة التي تستعاد بها مفاتيح الحياة المديدة من أجسادها، وتأملتُ من إهاب سادن الضوء ذلك الانسحاب الخاشع نحو الأمام، والتجلي الهادئ نحو الأدنى.

لم يكن معراجاً، ولا اضطراباً هلوسياً ما، وليست هذه مقدمة قصة أو تمهيد فلسفة، إن رؤية الملائكة وهي تموت أبسط من تكريس معجزة ما، وأقل تحدُّباً من ظهر الذهول المغلوب على عمره، إن هذه الكائنات النورانية الشفافة عندما تموت، تموت في الأرض، في فوضاها الأزلية، وبين سكانها الذين ما فتئوا يعلقون أحلامهم في المشاجب العلوية.


وعلى ارتجاف أشياءٍ واهنةٍ جداً نراقب كيف تلفظ الملائكة الدفق الأخير من النور، ولا نشعر بها، لأنا لا نفهم إلا شكلاً واحداً للموت، بينما الحالات البديعة التي تدهشنا دائماً تموت فيها ملائكة كثيرة ولا ندري، فلا شيء يريحها عند الموت أكثر من تلك الزوايا التي يتقن الله حشرها بين حالتين، وفي لمحاتٍ كونيةٍ عاجلة، لا مثلما يتيبّس البشرُ عند موتهم، وتسري فيهم البرودة الرتيبة.


ملاكٌ يموت في سقوط ثمرة، وآخر يموت في المنطقة المسحوقة بين جبين وسجدة، والذي يقضي تحت الخطى الساعية نحو شأن حميد، وبين جناحي فراشةٍ أغلقتهما عليه، وفي الشفاه إذا التقت أول مرة، وفي الدموع التي تنزل بقدر، ولربما ماتوا ميتاتٍ جماعية في ضحكات الجبال، وارتعاش الأوتار، واشتعال الفجر، وعثراتِ الأطفال، وكل حركةٍ مسرحيةٍ كونية نصفق لها شجناً، ولا ندرك أن وراءها حتماً، موتٌ لائق، لملاك!

هكذا تموت، موتها المختلف السامي، بعد الزمن الجليل الذي عاشته معلقةً في أصابع الله، أو نائمةً في تجويف عميق من عرشه، أو ساجدةً طول قرونٍ تحت قدميه، هكذا تمارس طقوساً مختلفة للانطفاء، ومراسم لا نعرفها للخروج من الوجود، والاندماج فيه بماهيةٍ أخرى.

تعرف أنها ستموت، ولكن لا تعرف أنها ستتغير إلى هيئة أخرى، ثمة حدس سماويٍّ طفيف يجعلها تشعر بالإرهاق قبل أن يدخل في أجسامها بوقت، فيدبُّ في عروقها اللؤلؤية سائل الوهن الثقيل، وترشح من جباهها قطراتٌ من زيتِ النهاية، ويشحبُ الضوء تدريجياً في أجسادها، وتجفُّ الهالاتُ البيضاء التي تطوِّقُ الأجنحة، فتلتفُّ حول نفسها مثل الأقمار الكبيرة، وتنتظر!

الموافقون على الموت يقفون زمراً على حافة بساط الله، يتحينون كل خطفة برق يسقطون معها من السماء السابعة في شهقةٍ طويلة جداً، أطول من كل شيء، وفي هذا السقوط يتبدَّدُ النور المتشظي وهو يومض بألم، ويمتلئ الطريق بالغبار الفضي الحزين، وتشيِّع النجوم مرورهم عليها بدفقة من نورٍ أزرق باه، يعرفه البعض، ولا أراه إلا في الليالي الخصيبة.

وقبل أن يصلوا إلى الأرض، يتحولون إلى أشياء مختلفة، غيوم، وضباب، وروائح، ومطر، ولقاح، وهواء، وأشعة، أشياء كثيرة مألوفة ترحل في أثير الطبيعة ليست إلا نُثار رفاتهم النقي الأبيض، هذه هي الطريقة التي يمزجنا الله بهم، وهكذا يخصِّبُ بنورهم الأرض حتى لا تعقم عن تنسيل الخير، والنقاء، والطهر، وهكذا يجد الحب دائماً مبرراته من الدهشة، وتلتقط الأعشاب نصيبها من الرائحة، ويفتح الله الدنيا في وجه الحشرة التي جعل عمرها يومين فقط، فلا تتذمر!

عندما كنتُ صغيراً كنتُ أفهم غير ذلك، حتى إذا كبرت، وصار يذهلني الملل القاسي، وأقدارٌ رتيبةٌ أخرى، صرتُ أقدر على شقِّ فتحة صغيرةٍ في وشاح السماء، أرى من خلالها مطبخ الكون وهو يتأجج نشاطاً، وأدركُ بعدها أن الملائكة التي لا تصنع نسيماً، أو ترسم شفقاً، أو تحرك غصناً، تواسي به القلوب الحافية، هي ملائكة مشغولةٌ بما هو أدهى..
الموت![/

هناك 6 تعليقات:

سهر الليالى يقول...

حكاية عجيبة

بس بتعجبنى الحكايات العجيبة اللى فيها نوع من الفلسفة للحياة والموت والحب وخلافه

جديدة جدا برافوا

هدى يقول...

صوفيا من الرويات اللي لازالت الحالة التي وضعتني فيها معلقة في ذاكرتي

كيف تستعد للموت وتستقبله كما الفرسان

مناسبة جدا لنعي ملاك

ربنا يجعلها اخر الاحزان

غير اللون الاسود الله يكرمك


تحياتي

علي الالفي يقول...

صباح الفل يا هيما
عايز اسالك عن حاجة غريبة لاحظتها
انا اخدت منك الايميل في الحفلة
و اكتشتفت انك عامللي بلوك ع الماسنجر
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
مش فاهم

إبـراهيم ... يقول...

أماني ، شكرًا لمرورك .... الخفيف




أتمنى تكوني لاحظتي إنها مقتـطـعـة من رواية ( صوفيا) كما هو مكتوب



تحياتي ، ومنوراني

إبـراهيم ... يقول...

هدى : ورودكـــ ــ كالعادة ـ ورد . . .


ربنا يجعلها آخــر الأحزان ، يااارب :)


شكرًا لكِ
ــــــــــــــــــــ

الجميل علي الألفي : أنا أعمل لك بلوك ؟!


قطـعًا مستحيـــــل ، لا بد أن خطئًا مـا في الموضوع !

في انتظــارك

علي الالفي يقول...

قشطة يا هيما
اهو الايميل بتاعي اهو عندك و انت ابقى ضيفني بقى
alyalalfy100@hotmail.com

Ratings by outbrain